[ad_1]
شهدت مصر خلال الأسابيع الماضية موجة حر شديدة وصلت فيها درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة، ففي أسوان جنوب مصر وصلت درجات الحرارة إلى 49 درجة مئوية.
وتوقعت الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية استمرار موجة الحر لعدة أيام وأسابيع أخرى في الصيف، وعزت ذلك إلى “تأثير كتلة هوائية شديدة الحرارة ونظام ضغط مرتفع في الغلاف الجوي العلوي، مما يحبس الحرارة بالقرب من سطح الأرض”.
وفي الوقت نفسه، ومع الارتفاع المستمر في درجات الحرارة إلى ما يزيد عن المعدلات الطبيعية في مصر، تسارعت وتيرة إزالة الأشجار والحدائق من شوارع القاهرة والمدن الأخرى.
وتهدف هذه الإزالات إلى بناء الجسور، وتوسيع الطرق المعبدة، أو حتى إنشاء أكشاك ومنافذ للوجبات السريعة، مما أثار الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي.
خلال الاحتجاجات عبر الإنترنت، نشر مئات الآلاف من المصريين صورًا تظهر إزالة الأشجار والتغييرات في ميادين القاهرة الشهيرة بعد “تطويرها”، والتي استبدلت المساحات الخضراء بأكشاك ومنافذ الوجبات السريعة والمقاهي.
لماذا ترتفع درجات الحرارة؟
يوضح محمد شريف، أستاذ الأرصاد الجوية بجامعة بورسعيد في مصر، أن ارتفاع درجات الحرارة قضية عالمية، تؤثر على معظم دول العالم بسبب تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويضيف أن بعض الأنشطة البشرية، مثل تلوث الهواء وقطع الأشجار، يمكن أن تزيد من الشعور بالحرارة. وتتسبب هذه الممارسات في احتفاظ الأرض بالحرارة لفترة أطول من المعتاد، خاصة خلال فصل الصيف في مصر.
وأشارت دراسة نشرت في مجلة “نيتشر كلايمت تشينج” في أكتوبر/تشرين الأول 2012 إلى أن متوسط درجة الحرارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك مصر، ارتفع بمقدار 1.4 درجة مئوية منذ عصر ما قبل الصناعة.
وتركز الدراسة على كيفية تأثير تغير المناخ على التنمية المستدامة في بلدان البحر الأبيض المتوسط. ويمثل هذا زيادة قدرها 0.4 درجة مئوية فوق متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل البيئية في المنطقة.
ويشير الشريف في تصريح لـ«العربي الجديد» إلى أن اختلاف درجات الحرارة بين بعض المدن المصرية، رغم تقارب خطوط العرض فيما بينها، يعود إلى ظاهرة «المناخ المحلي».
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاختلاف في الغطاء الأخضر والمسطحات المائية بين هذه المدن يخلق اختلافات حرارية، مما يخلق مناخًا محليًا مختلفًا عن المناطق الريفية القريبة، والمعروفة باسم جزر الحرارة الحضرية.
جزيرة الحرارة الحضرية هي منطقة حضرية أكثر دفئًا بشكل ملحوظ من المناطق الريفية المحيطة بها. عادة ما يكون الفارق في درجات الحرارة أكبر في الليل منه أثناء النهار ويصبح أكثر وضوحًا عندما تكون الرياح ضعيفة.
أحد الأسباب الرئيسية لجزيرة الحرارة الحضرية هو الافتقار إلى الغطاء الأخضر، مما يؤدي إلى انعكاس كمية أقل من الطاقة الشمسية واحتباس المزيد من الحرارة بواسطة الأرض والمباني مقارنة بالمناطق الريفية.
مذبحة الأشجار في القاهرة
وبحسب دراسة نشرت عام 2022 في مجلة الهندسة والعلوم التطبيقية، فقدت القاهرة حوالي 910,894 متراً مربعاً من مساحاتها الخضراء بين عامي 2017 و2020.
وفي عام 2020، انخفضت حصة الفرد من المساحات الخضراء في مصر بمقدار 0.3 متر مربع عن المتوسط المخطط له لنفس العام، والذي تم تحديده عند 1 متر مربع، وفقًا لرؤية الحكومة 2030 للتنمية.
وتتوقع الخطة الحكومية أن يصل نصيب الفرد من المساحات الخضراء الحضرية إلى 3 أمتار مربعة بحلول عام 2030. ومع ذلك، صرح وزير البيئة المصري في مايو 2023 أن نصيب الفرد من المساحات الخضراء بلغ 1.2 متر مربع، مع هدف 3 أمتار مربعة بحلول عام 2030.
توصي منظمة الصحة العالمية بضرورة أن يكون لكل فرد مساحة خضراء لا تقل عن 9 أمتار مربعة على مسافة 15 دقيقة سيرًا على الأقدام من المنزل.
يقول الخبير البيئي طارق قنديل إن الأشجار تعمل كرئة للأرض، حيث تمتص ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأكسجين، ويعتقد أن المناطق التي بها أشجار تكون أكثر برودة بدرجتين إلى ثلاث درجات مئوية عن المناطق الخالية من الأشجار.
وأضاف قنديل لـ«العربي الجديد» أن «الأشجار والمساحات التي تحتوي على غطاء شجري كبير تعمل كمكيفات هواء طبيعية تعمل على تبريد الحرارة».
ويضيف أن أوراق وأغصان الأشجار في المناطق الحضرية تسمح لنحو 10 إلى 30% فقط من الإشعاع الشمسي بالوصول إلى المنطقة الواقعة تحت ظلها، مع امتصاص الأوراق لبقية الطاقة الشمسية من أجل عملية التمثيل الضوئي أو انعكاسها في الغلاف الجوي.
التكيف هو الحل
ويشير مجدي السيد، أستاذ التخطيط العمراني بجامعة المنصورة، إلى أن «النسيج الحضري»، الذي يشمل المصانع والمباني والطرق المعبدة وشبكات النقل المعقدة، هو المسؤول عن الجزر الحرارية الحضرية.
ويضيف لـ«العربي الجديد» أن أي غطاء أخضر يخفض درجة حرارة المنطقة المزروعة به، وبالتالي فإن إزالة الغطاء الأخضر يزيد الشعور بالحرارة.
ويرى الأستاذ الجامعي أن ارتفاع درجات الحرارة في مصر ليس حدثا محليا أو مرتبطا بإزالة الأشجار، بل هو ارتفاع عالمي مصحوب بارتفاع الغازات الدفيئة وقضايا الاحتباس الحراري.
ويرى أن زيادة المساحات الخضراء في الشوارع ليس الحل الوحيد للتخفيف من آثار موجات الحر، بل إن زراعة الأسطح أيضاً هي الحل.
ويعتقد أنه “لتحقيق الراحة الحرارية، يجب استخدام مواد البناء الخضراء من البيئة المحلية للمساعدة في تبريد المناطق الداخلية للمباني”.
ويشير السيد إلى أن التخطيط الحضري هو المرحلة التي ينبغي فيها تصميم المساحات الخضراء الحضرية.
ولكن لم يفت الأوان بعد لتصحيح ما أهمله المخططون، ولابد من تنفيذ استراتيجيات للتكيف، مثل زيادة المساحات الخضراء في المناطق الحضرية، وزيادة الظل، وإضافة المزيد من نوافير المياه في الساحات باستخدام المياه المعالجة.
محمد السعيد هو محرر العلوم في ديلي نيوز إيجيبت. وقد ظهرت أعماله في مجلة ساينس، ومجلة نيتشر ميدل إيست، والطبعة العربية من مجلة ساينتفك أميركان، ومجلة ساينتفك ديف، وغيرها من المنافذ الإعلامية الإقليمية والدولية البارزة.
تابعوه على X: @MOHAMMED2SAID
[ad_2]
المصدر