[ad_1]
عندما خرج المدنيون في شمال غرب سوريا إلى الشوارع للاحتجاج على الهجمات المعادية للأجانب التي شنت ضد اللاجئين السوريين في مدينة قيصري بوسط تركيا في الأول من يوليو/تموز، فإنهم لم يتوقفوا للتفكير في العواقب المحتملة، وهي إغلاق المعابر الحدودية الوحيدة إلى المنطقة.
تم إنزال الأعلام التركية من الشوارع والمرافق الخدمية في شمال غرب سوريا، بينما رشق المتظاهرون الحجارة على مركبات الأمن والجيش التركي، غضبا من العنف الذي يتعرض له السوريون في تركيا.
ورداً على الاحتجاجات التي شهدت محاولات اقتحام المعابر الحدودية، وهجمات على شاحنات، واشتباكات مع موظفي الحدود الأتراك، أعلنت تركيا إغلاق معابر باب السلامة والراعي وجرابلس إلى شمال حلب، ومعبر باب الهوى إلى إدلب حتى إشعار آخر.
معزولة عن العالم
وأثرت عمليات الإغلاق على كل شيء، حيث أصبحت المعابر التي تربط شمال غرب سوريا والدولة التركية هي نقاط الدخول الوحيدة إلى المنطقة، ليس فقط للمساعدات الإنسانية للسكان، الذين يعيش 90 بالمئة منهم على الأقل تحت خط الفقر، بل أيضاً للمنتجات الزراعية والصناعية والتجارية، دون الحاجة إلى المرور عبر مناطق سيطرة النظام السوري.
وما إن أعلنت تركيا الإغلاق حتى سارع أيمن الخالدي، أحد سكان مدينة الدانا شمال إدلب، إلى شراء أكياس الطحين وبعض المواد الأساسية، خوفاً من استمرار الإغلاق وندرة المواد الأساسية، ما يعني ارتفاع الأسعار.
ويقول الخالدي إن المعابر مع تركيا هي المدخل الوحيد للطحين وغيره من السلع الأساسية بعد حصار المنطقة من قبل النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ليصبح الجانب التركي هو المدخل الوحيد للاستيراد والتصدير في المنطقة، ويخشى أن يؤدي إغلاق المعابر لفترة طويلة إلى كارثة إنسانية ومجاعة.
وقال الناشط غسان اليوسف المقيم في عفرين والذي شارك في الاحتجاجات إنه شعر بالغضب من المشاهد التي شاهدها على مواقع التواصل الاجتماعي لما فعله الغوغاء الأتراك في قيصري باللاجئين السوريين، بعد مزاعم بأن رجلاً سوريًا اعتدى جنسياً على فتاة سورية تبلغ من العمر سبع سنوات.
شمال غرب سوريا: خدمة مصالح تركيا
ويتساءل يوسف هل هذه هي الطريقة التي يتم بها حل الجرائم المزعومة في البلاد، أم أنها، كما يعتقد، كانت ذريعة لتخويف السوريين ودفعهم إلى مغادرة الأراضي التركية.
ويضيف أن المنطقة أصبحت قاعدة للقوات التركية وكذلك وسيلة للحكومة التركية للضغط على روسيا وقوات سوريا الديمقراطية.
ويقول يوسف إن الأتراك رفعوا علمهم ويتجولون بحرية في الشمال الغربي بعد أن جندوا فصائل المعارضة لخدمة مصالحهم، مضيفاً أن هؤلاء المجندين تحولوا إلى مرتزقة مقابل حفنة من الدولارات.
ساحة في مدينة أعزاز بمحافظة حلب حيث كتب على جدار بين لوحات العلمين التركي والسوري المعارض عبارة “الأخوة بلا حدود”. (هادية المنصور/ت.ن.أ)
ويشير إلى مشاركة مقاتلين من الجيش الوطني السوري، الذي يضم عدة فصائل معارضة، في المصالح التركية الخارجية، ولا سيما في ليبيا واليمن وأذربيجان.
وفي تركيا نفسها، تصاعدت أعمال العنف العنصري ضد اللاجئين السوريين في السنوات الأخيرة، حيث تعرض العديد منهم للترحيل القسري والمنهجي.
ويقول يوسف: “هناك ظلم كبير يقع علينا نحن السوريين، ولا نستطيع أن نبقى صامتين لفترة أطول ونتجاهل كل هذه الممارسات، وربما كانت الاحتجاجات التي حدثت جزءًا صغيرًا من نار الغضب التي بدأت تلتهمنا في مواجهة كل هذا الظلم والإذلال”.
تم ترحيل المعلمة فدوى الحاج حسين قسراً من تركيا مع أطفالها بعد اعتقالها وإنزالها على الحدود السورية التركية، بتهمة عدم حصولها على بطاقة هوية الحماية المؤقتة التي تمنح اللاجئين السوريين بعض الحماية القانونية والحقوق.
وتقول إن اللاجئين السوريين في تركيا لا يتم التعامل معهم بإنسانية أو كرامة، ويقضون وقتهم خائفين ومختبئين.
ويقول حسين: “والآن يعيدوننا إلى المناطق السورية ويتركوننا عرضة للحرب والقنابل والجوع والخسارة”.
“بدأت تركيا بتحسين علاقتها مع النظام السوري تمهيداً لإعادتنا إلى أحضان جلادنا الذي قتل ودمر واعتقل وانتهاك حقوق الإنسان في سوريا إلى حد كبير على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي بدأ يطبع علاقاته معه متناسياً كل المآسي والظلم والجراح التي تعرضنا لها”.
كارثة انسانية
أكد وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري أن تأثير إغلاق الحدود على شمال غرب سوريا سيكون هائلاً، باعتبارها المدخل الوحيد للواردات الحيوية التي لا تنتج محلياً.
وتشمل هذه المنتجات الأرز والسكر والزيوت النباتية والدهون المستخدمة في الطهي والأدوية ومواد البناء وأعلاف الحيوانات وغيرها من المواد المستخدمة في التصنيع المحلي.
وسوف يؤثر هذا بشكل كبير على المدنيين الذين سوف يعتمدون على المنتجات المنتجة محليا، وخاصة الزراعية، والتي سوف تكون نادرة. ويقول المصري: “تخيلوا كيف سيكون الحال في منطقة عانت من الفقر والحرب لسنوات، حيث لا يوجد نفط، ومواردها محدودة”.
لكن الوزير توقع أن المعابر لن تبقى مغلقة لفترة طويلة، ليس بسبب تعاطف تركيا مع المنطقة، بل لأن لها مصالح ترغب في تحقيقها.
وإلى جانب الفوائد التي تجنيها تركيا من نفوذها في المنطقة فيما يتعلق بمصالحها الأمنية، وإبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حدودها، فإنها تستفيد أيضاً من الناحية الاقتصادية لأنها تعتبر شمال غرب سوريا سوقاً لمنتجاتها، كما يقول.
ويقول الخبير الاقتصادي حيان حبابة إن الآثار السلبية لإغلاق الحدود لن تتمثل فقط في أزمة إنسانية ومجاعة محتملة للسكان، بل ستدمر الصناعة وجميع جوانب الحياة في شمال سوريا، حيث أن المعابر مع تركيا هي الطريق الوحيد للدخول والخروج من المنطقة بسبب الحصار المفروض على المنطقة.
ويقول حبابة إن مشاريع الاستثمار في المنطقة سوف تتعثر وتتوقف، وسوف ترتفع معدلات البطالة التي تجاوزت بالفعل 86 في المائة.
بين أنقرة والأسد
ويقول حبابة إن المدنيين في الشمال الغربي سيواجهون أحد سيناريوهين إذا أُغلقت المعابر الحدودية لفترة طويلة. الأول هو أن يبدأ الجوع الشديد وانتشار الأمراض في التصاعد، مما قد يؤدي إلى مجاعة واسعة النطاق. والسيناريو الثاني هو أن تُفتح المعابر مع المناطق التي يسيطر عليها النظام وقوات سوريا الديمقراطية – التي تسيطر عليها ميليشياتها – لإدخال وتعويض ما فقدوه.
ويتوقع حبابة أن يتطور هذا السيناريو إلى الاعتماد على هذه الميليشيات مع سيطرتها على أسواق المنطقة وبدء تحديد أسعار السلع، سواء المحلية أو المستوردة، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وسيتحمل المستهلك العبء الأكبر، لأن الهدف الأساسي للتجار هو الربح.
ورغم إعادة فتح المعابر جزئياً في الأيام الأخيرة، إلا أن المدنيين في شمال غرب سوريا أصبحوا على وعي تام بالمضاعفات التي قد تنشأ إذا أُغلقت المعابر مرة أخرى. فهم يشعرون وكأنهم عالقون بين النظام السوري وأنقرة، التي يعتمدون عليها والتي تسير نحو التطبيع مع الأسد.
ومن المرجح أن يكون هذا نذيراً بالكارثة بالنسبة لهم. فإما أن يحاول السكان الوقوف ضد سياسة أنقرة وتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد ـ الذي قتل وشرد الآلاف ـ أو أن يقبلوا بذلك، وهو ما يعني العودة إلى أحضان جلادهم.
هاديا المنصور هي صحفية مستقلة من سوريا كتبت لصحيفة الشرق الأوسط والمونيتور وحكاية ما انحكت ومجلة طلعنا عالحرية.
المقال مترجم من العربية بقلم روز شاكو
[ad_2]
المصدر